دميتي الوحيدة ..
بواسطة
, 30-12-2013 عند 12:52 AM (5717 المشاهدات)
أحيانا يتذكر المرء أحداثا بسيطة مرت به .. وما إن تَرِدُ الى عقله .. حتى يضحك مطولا على ماكان يفعل .. وتصبح ذكريات جميلة رغم تفاهتها
في صغري لم أكن أحب اللعب بالدمى كثيرا .. لكني أتذكر دميتي الشهيرة "سـتـينباي" .. تستغربون الاسم لكنه من وحي خيال أختي الكبرى التي ورثتُ الدمية منها ..
كانت سمراء البشرة وليست غامقة .. شعرها أسود مجعد ولكن ملامحها جميلة جدا
طولها تقريبا نصف متر أو أقل بسنتمرات .. ولها عقد جميل وأقراط وملابس أنيقة
لكنها المسكينة نالت مني أشد أنواع العذاب .. فقد كنت أضربها وأصفعها بكل مايمكن
كنت أقوم بدور المعلمة وأجلسها على وسادة مع صديقها الطويل والتلميذ المشاغب "الفهد الوردي" ومن ثم أبدأ بضربها بشدة لأنها تشوش في القسم كثيرا ولا تنتبه لشرحي(خيال الأطفال) .. ولم يسلم بينك بنتر هو الآخر الذي يفوقني طولا من ضربات عصاي الموجعة حتى خرجت حشوته
(لست متوحشة ولكني كنت أحاكي الواقع الذي درست فيه)
أما وجه هذه الدمية لم يكن بعيدا عن مسرح الأحداث إذ رسمت لها أختي "شنب" وندبات القراصنة .. وأنا ايضا أضفت لمساتي عليها .. نسيت الكثير من ألوان التعذيب الممارس عليها منا جميعا، أعتقد انها كانت تبكي في صمت لكنها تحافظ على ابتسامتها وكبريائها .. كنت أحس أن لها روحا وهي تشعر جيدا بما نفعله بها .. وهذا مايجعلنا نتفنن في القضاء عليها .. حقيقة كانت مستفزة
لكن أحيانا أشفق عليها فأحممها وأحاول جاهدة أن أغسل تلك الخرابيش، لكن هيهات فقد أصبحت جزءا منها الآن .. حتى شعرها كنت أمشطه لها ولكنه مجعد جدا ولا حتى أسنان المشط تدخل فيه، فعزمت على قصه لها، وفعلت ذلك خفية عنهم، حتى وجدوها مدفونة في أغراض المستودع ولها قصة قصيرة غريبة ..لقد كانت زنجية ولكنها حلوة ومبتسمة.. ونلت توبيخا على ذلك ..
تماما كما ضربنا يوم خربشنا عليها ..
حقيقة هي دمية جيدة الصنع ومتقنة .. فقد بقيت محافظة على هيكلها وبهائها رغم قساوة الدهر عليها ..
تذكرت موقفا لما كنت آخذها معي إلى بيت جدي لأتسلى بها هناك .. فذات مرة وأنا أجلس في الحافلة مع أمي .. مازحني سيد فقال من هذه؟ فأجبته في حزم "ستينباي" .. فتعجب الرجل وقال ماذا؟ فظللت أعيد الاسم حتى فهم.. فقال لي مابه وجهها مخربش بهذه الطريقة؟؟.. فقلت له لأنها بشعة وشريرة فعاقبتها .. فقال يووو المسكينة، لكنها لاتتحرك انظري .. فسكت .. ثم قلت له نعم لكني أكرهها، لقد دهستها البارحة بدراجتي
فضحك الرجل كثيرا ..
لم يقتصر الأمر على الضرب المبرح بل كنت أمارس عليها الرهاب النفسي بأن اتركها في الظلام وأخيفها .. أو أرميها من عل ثم أمسكها .. أو أقرب وجهها إلى نار الموقد فيحترق قليل من شعرها .. وغير ذلك مما لا يتوجب ذكره
كانت ستينباي تعيش معنا ثم تختفي فجأة لانعلم كيف .. وفي زمن ما يعثر عليها أحدنا في القبو .. ويأتي بها مسرعااا .. "ستينباي عااااادت" .. فترجع لحياتها اليومية القاسية من جديد .. ولا تلبث ثم تختفي مرة أخرى ..
ثم كونا لها أسرة من أخوين اسمهما : "تحتمس وبطليمس" .. كالعادة من تسمية أختي الكبرى .. الاول فهو وجه غريب من غير جسد له ملامح مخيفة ازرق اللون أما بطليمس لا أتذكر شكله جيدا لكني أعتقد انه غوريلا أسود ..
...
أصبح عمري في العاشرة .. كنا سنرحل الى بيت جديد .. ونحن ننقل الأغراض عثرنا عليها .. كان حدثا مهما إذ أن آخر اختفاء لها فاق السنة .. فأخذنا نتصفحها وننظر آثار الزمن عليها .. فقالت أمي ارموها لن تفكروا بأخذها معكم فغضبنا جميعا ورفضنا ذلك .. فاقترحت علي أمي أن آخذها لفتاة كانت تدرس معي .. حالتها بائسة جدااا وتوفيت أمها .. فغسلتها وألبستها الجديد مما أعدته أمي ووضعت لها أقراطها وعقدها وقد احتفظت بهم سنوات لبهائهم، اما حذاؤها الأبيض فقد ضاع مني وبقيت فردة واحدة ألبسته لها .. واتجهت بها إلى بيتها وأنا أتأملها لآخر مرة ..
وصلت فطرقت الباب وفتح لي أخوها فقلت أين فلانة فأطلت من تحته مبتسمة وكانت تحبني جدا .. قالت لي ماذا؟ .. فناولتها الدمية وأنا خجلة لم أنطق بكلمة فابتسم ثغرها لحظتها وابتسمت لها .. ثم وليت أجري وقد نزلت دموعي على دميتي المعترة ستينباي وعلى فراق صديقتي تلك ..
بالرغم مما حصل لها إلا أنها بقيت صامدة وهيكلها غير متأذ أبدا الا تلك الخربشات في وجهها .. كانت دمية باريسية، أحضرتها أمي معها هدية لأختي الكبيرة في أواخر الثمانينات وعاشت سنين طويلة ..
لا أدري لما لم أعتني بها كما تفعل كل الفتيات مع الدمى، كانت ندا لنا كل يفعل فيها مايشاء .. لسنا من الساديين ههههه .. لكن هذه التصرفات الغريبة لها الكثير من المبررات التي احتفظ بها لنفسي ..
وبقيت ستينباي لسنوات دميتي الوحيدة التي قضيت معها طفولتي ..
كن على تواصل معنا ليصلك كل جديد تابعنا على المواقع الإجتماعية